تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

غلوريا يونغ

مقابلات

Submitted by iKNOW Politics on
Back
August 28, 2012

غلوريا يونغ

رئيسة الجمعية البنمية للنساء البرلمانيات والبرلمانية السابقة والعضو في المجلس التشريعي لولايتين متتاليتين (1994-2004)

"ما من شيء يضاهي التدريب والبناء المستمرّ للقدرات، لاسيما في ما يخصّ النساء، إذا أردت تعزيز قيمتك السياسية. فالرجال أكثر استعداداً لمواجهة التحدّيات السياسية من دون تدريب في حين يصعب على النساء الإقدام على هذه الخطوة أو التحلّي بالشجاعة اللازمة. بالتالي، لا بد من تشجيعهن. ولا يكفي تكرار عبارة "كوني شجاعة، كوني شجاعة"، بل يجب تقديم الشروحات وتوفير الأسباب."

 

المتن:

 

iKNOW Politics: كيف انطلقت سيرتك السياسية؟ ما الذي دفعك إلى المشاركة السياسية؟ وما هي العقبات التي واجهتيها كامرأة؟

 

غلوريا يونغ: انطلقت سيرتي السياسية في المكسيك حيث كنت طالبة في الجامعة الوطنية المستقلّة. في السبعينات، كان هذا الأمر محتماً. إذا كنت تدرس العلوم السياسية والسياسات العامّة، تميل بالطبع إلى التحالف مع اليسار. بالتالي، جاءت تجربتي الحزبية الأولى مع المجموعات المرتبطة بالأممية الرابعة في المكسيك. بعد ذلك، عدتُ إلى بنما حيث كانت حركة سياسية جامحة ومثيرة للاهتمام تتحضّر على يد مجموعة من المقرّبين من روبن بليدس، مطرب السلسا الوطني. لخّصت المجموعة، في اسم الحركة، جوهر ما كنا نطمح إليه: بابا إيغورو (1991) ما يعني، في إحدى اللغات المحلية، أمّنا الأرض. وهكذا وضعنا الاهتمامات البيئية في أعلى القائمة.   

 شكّلنا في إطار حركة "بابا إيغورو" أمانة وطنية للنساء تحوّلت في نهاية المطاف إلى حزب داخل الحزب. كنا منظّمين بشكل جيّد وكنا نتحلّى بطاقة كبيرة لأنّ الحركة كانت تضم أكثر الناشطات النسائيات شهرةً وقتئذ. التحقت بالحركة لأنّني لم أكن أؤمن بالسياسة التقليدية. قال لي "روبن بليدس": "افعلي في الحزب ما تفعلينه في المنزل." استرعت هذه الجملة اهتمامي وتساءلت: "ما الذي أفعله في المنزل؟". فأجبت: "كل ما هو ضروري للارتقاء بالنضال في سبيل المساواة." وعليه، أسّسنا الأمانة الوطنية للنساء التابعة لحركة أمّنا الأرض.

مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية، أدركت أنّني لم أفكّر يوماً في الترشّح. فكنت أرغب في العمل مباشرةً مع النساء عند المستوى الوطني وتعزيز الأمانة الوطنية للنساء. إلا أنّ النساء الأخريات كنّ قد توصّلن إلى اتفاق فاجتمعن بي وقلن: "نريد أن تترشّحي للانتخابات البرلمانية." أجبتهن أنّني لا أؤمن بهذه الأمور، أي بالسياسية الانتخابية الرسمية. فكلّها أكاذيب، ناهيك عن أنّ المرء يحتاج إلى مال كثير لكي يتم انتخابه. في نهاية المطاف، أقنعنني بالقول إنّه لا بد أن تشارك إحدى نساء الحركة في هذه الانتخابات. فشاركنا فيها وفزنا في إحدى أهم الدوائر الانتخابية في البلاد (1994).

في بنما، ينتخب الشخص بطرق ثلاث: تصويت بالأكثرية، حسب المعدّل أو "ما تبقّى". في الانتخابات المذكورة، تم انتخاب 69 نائباً، فاز سبعة منهم حسب المعدّل. فدخلت البرلمان وفي جعبتي برنامج واضح جدّاً: قانون ضدّ العنف المنزلي، قانون حول تكافؤ الفرص، قانون ضدّ التحرّش الجنسي، بالإضافة إلى قانون حول إزالة وإلغاء الألفاظ التي تنمّ عن تحيّز جنساني في الكتب والنصوص المدرسية عند المستوى الوطني علاوةً على النصوص الواردة في برامج الهيئة التشريعية

اعتُبِر هذا البرنامج غايةً في الجرأة. على الرغم من ذلك، نجحنا في تمرير القانون رقم 4 حول تساوي الفرص بالنسبة إلى النساء في عام 1999. وسمح لنا هذا البرنامج بتوحيد جهودنا مع قطاعات عديدة تابعة للحركة النسائية. خلافاً لما قد يظنّه المرء على ضوء تجارب أخرى، لم تسبق الحركات في بنما البرلمان في هذا البرنامج. بل صدرت المبادرة عن العضوات في البرلمان، بما في ذلك نساء أخريات لا ينظرن بالضرورة إلى الأمور من منظور جنساني (نوعي). كما ازداد وعي الرجال في البرلمان لمسائل النوع الاجتماعي بحيث أصبحت الجلسات تبدأ بتحية خاصّة: "مساء الخير، أيّها البرلمانيات." في أحد الأيام، سنكتب عن هذه التجربة. تم انتخابي لولاية ثانية وأمضيت عشرة أعوام في البرلمان (1994- 2004).

أتذكّر بوضوح عندما فازت امرأة بجائزة روجيليو سينان وهو من المؤلّفين الرواد في البلاد: "ألسي ألفارادو دو ريكورد" شاعرة رائعة كانت وقت فوزها رئيسة أكاديمية اللغات في بنما. كانت هذه الجائزة، شأنها في ذلك شأن سائر الجوائز الفنّية، ثمرة نشاطنا في البرلمان، إذ أطلقنا ديناميكية مختلفة بالكامل داخل الهيئة التشريعية. فللمرّة الأولى، أصدر البرلمان في بنما مجلّة بعنوان "Ventanas del Parlamento" )نوافذ البرلمان) بدعوة من لجنة شؤون المرأة. ناقشت المجلّة التقدّم الذي أحرزته الحركة النسائية في البلاد، بالإضافة إلى جوانب مختلفة من الحركة الأكاديمية، ومقالات، وغيرها.

 ضمن اللجنة، أرسينا عادةً – تم التخلّي عنها لسوء الحظّ – تقضي بمناقشة كافة المبادرات مع مختلف الهيئات النسائية في البلاد. كانت هذه ديناميكية غير مسبوقة لأنّه وإن كانت اللجان البرلمانية الدائمة ملزمة بمناقشة مشاريع القوانين مع القطاعات المعنية، إلا أنّ غالبية النقاشات كانت تدور ضمن أبواب مغلقة. حدّدت لجنة شؤون المرأة المسائل الواجب القيام بها. كما حرصنا على أن تطال المشاركة البرلمان نفسه وسُمعت أصوات النساء عند المستوى الوطني نظراً لبثّ الجلسات على قنوات التلفزيون والراديو. وكان للراديو وقع خاصّ. فمتى كنت تستقلّ سيارة أجرة، كنت تجد نفسك تتحدّث إلى السائق عن أولئك النساء اللواتي يتحدّثن عن كذا وكذا لأنّ الجميع سمعنا على الراديو. وعندما كنت أتجول في شوارع المدينة، كانوا يستوقفونني ويقولون: "أيّها النائب، سمعت أنّهم عيّنوا السيدة فلانة إلى البرلمان وكم كان حديثها مثيراً للاهتمام!"          

 

  

iKNOW Politics: ما هي العقبات التي واجهتيها في معرض سيرتك السياسية، لاسيما في علاقتك بزملائك الرجال؟ 

 

غلوريا يونغ: لا شكّ أنّني اصطدمت بعقبات كثيرة، بدءاً بالحياة داخل الحزب. فالانتماء إلى حزب هو صراع مستمرّ لنُسمع صوتنا كنساء في وسط يهيمن عليه الرجال. ترأسّت الحزب نساء كثيرات كانت أولهن "بارتا طوريخوس دي أروسيمينا" الرئيسة الفخرية للحزب الثوري الديمقراطي الذي تأسّس على يد شقيقها الجنرال "عمر طوريخوس". أخذت الأمور على محمل الجدّ وبدأت تدخل تغييرات أساسية في الحزب إلى أن تم تغييرها هي. أما الرئيسة الثانية التي انتخبت بالتصويت فكانت "ميرييا موسكوزو" من حزب أرنولفستا وقد انتخبت لاحقاً رئيسةً للبلاد. أنا أيضاً ترأسّت حزب "بابا إيغورو" حيث تم اختياري عوضاً من "روبن بليدس". كرئيسة، تعيّن علي التعاطي مع إعادة بناء وتوسيع الحزب عند المستوى الوطني بمواجهة الجميع ومن دون مساعدة من مؤسّس الحزب. ففهمت ما يعنيه أن تكوني رئيسة في حزب يسوده نظام أبوي رغم أنّ أمانة النساء كانت تتمتّع بنفوذ أكثر من أي وقت مضى. ولكنّنا نجحنا في إشراك ممثّل عن الشعوب الأصلية في مجلس الإدارة وذلك في بلد يضمّ خمس محافظات للشعوب الأصلية لكل واحدة أراضيها وحكومتها الخاصّة.             

 في الختام، أطلق "روبن بليدس" حركةً لطردي من الحزب والسيطرة على مقعدي. لم ينجح في الحصول على مقعدي ولكن تم إقصائي من الحزب وأنا فخورة بذلك!

 

 

 iKNOW Politics: هلاّ حدّثتنا عن تجربتك في مجال تدريب النساء وبناء قدراتهن؟ ما هي الدروس التي استخلصتها وما هي الصعوبات التي واجهتك؟     

 

 غلوريا يونغ: ما من شيء يضاهي التدريب والبناء المستمرّ للقدرات، لاسيما فيما يخصّ النساء، إذا أردت تعزيز قيمتك السياسية. فالرجال أكثر استعداداً لمواجهة التحدّيات السياسية من دون تدريب في حين يصعب على النساء الإقدام على هذه الخطوة أو التحلّي بالشجاعة اللازمة. بالتالي، لا بد من تشجيعهن. ولا يكفي تكرار عبارة "كوني شجاعة، كوني شجاعة"، بل يجب تقديم الشروحات وتوفير الأسباب. كما ينبغي اكتساب الأدوات ومعرفة كيفية استعمالها حتى وإن باءت محاولاتنا المتكرّرة بالفشل. كانت تضمّ أمانة "بابا إيغورو" لشؤون المرأة وحدةً خاصّة للتدريب – ولا يسعك تخيّل كمّية الأشياء التي كنا ننجزها ضمن هذه الوحدة. في مرحلة لاحقة، وبمؤازرة حزب ميريا موسكوزو – وهو أقدم وأكثر تقليديةً – تمكّنا من تعبئة الدعم في سبيل تدريب النساء وتشكيل أمانة وطنية لهن.

ولكن لم يكن ذلك كافياً. بالتالي، شكّلنا تحالفاً استراتيجياً بين النساء من الأحزاب السياسية المختلفة عُرِف بـ"منتدى النساء في الأحزاب السياسية" ما أدّى إلى خلق روح من اللحمة بين النساء السياسيات بغضّ النظر عن انتمائهن الإيديولوجي أو الحزبي. كما قمنا بتعديل قانون الانتخابات بحيث تم تخصيص 10% من الدعم الانتخابي الذي تستفيد منه الأحزاب والبالغة نسبته 30% حصراً لأغراض تدريب النساء.   

 

 

iKNOW Politics: في بنما وبالإضافة إلى المنتدى، هنالك جمعية النساء البرلمانيات والبرلمانيات السابقات. لقد كنتِ الأمينة التنفيذية للمجموعتين في أوقات مختلفة. ما هو سبب هذا التقدّم في بنما؟ وما يمكننا فعله لتشجيع مبادرات مماثلة في المنطقة؟ 

 

غلوريا يونغ: في الواقع، أنا من أسّستُ المجموعتين. وقد مضى 16 عاماً على تأسيس المنتدى وستة أعوام على تأسيس الجمعية. وهما يشكّلان فسحةً لنشاط السياسيات البنميات وقد سمحا بتعزيز ثقة المرأة بنفسها ووضعها السياسي داخل الأحزاب. للمنتدى شقّ تدريبي بلغ من المتانة بحيث حظِي بالاعتراف الدولي للمنظّمات التي تموّل برامج التدريب الموجّهة إلى المرشّحات. فنقلنا هذه التجربة إلى بلدان أخرى في أميركا الوسطى والكاريبي حيث ذهبت خمس نساء من أحزاب مختلفة إلى بلدان أخرى ما ساهم في تحفيز النساء في السلفادور وهندوراس وغواتيمالا وجمهورية الدومينيك

أما الجمعية فهي تجربة بدأت في السلفادور بمبادرة من زميلة عظيمة أتماثل معها كثيراً هي غلوريا سالغيرو. كانت غلوريا سالغيرو وزيرة من دون حقيبة في حكومة إلياس أنطونيو ساكا (2004-2009) وكانت قبل ذلك أول امرأة تترأس البرلمان. لا شكّ أنّها حقّقت نجاحات واسعة في البرلمان. بخلاف المنتدى، تتوجّه الجمعية إلى النساء اللواتي انتخبن إلى البرلمان ويشكّلن بالتالي مثالاً يحتذى من أجل الفوز بالانتخابات في بلد ما. ترمي الجمعية إلى تدريب النساء الراغبات في المشاركة في الانتخابات، سواء كانت وطنية أم محلية. لقد وضعنا منهجية ذات مكوّن أكاديمي بسيط مع التركيز على إدارة الأدوات الأساسية. وساعدنا الكثير من النساء على تجاوز خجلهن وإيجاد الموارد والتحلّي بالشجاعة الكافية لمواجهة الرجال ضمن أحزابهن. بدأت أولئك النساء يفزن في الانتخابات ما يبرّر أهمّية الدعم الصادر عن النساء اللواتي سبق أن شاركن في الانتخابات أو تقلدن منصباً سياسياً. فالمقصود من ذلك حثّهن على مشاطرة تجربتهم مع النساء اللواتي لا يزلن في أول الطريق وتعميم الرأسمال السياسي المتراكم على من يحتاج إليه حاضراً

 

 

iKNOW Politics: ما كان دور الشبكات في سيرتك السياسة؟ ما هي المنافع المتأتّية عنها؟ 

 

غلوريا يونغ: أنا أؤمن كثيراً بالتشبيك. يتعلّق أحد عناصر حلقاتنا التدريبية بكيفية امتلاك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إذ على النساء، بما فيهن أولئك القاطنات في المناطق الريفية النائية، تعلّم كيفية استعمال وإدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل الإعلان عن اقتراحاتهن

كانت شبكة iKNOW Politics أداةً أساسية بالنسبة إلى النساء في جمعية النساء البرلمانيات والبرلمانيات السابقات وفي المنتدى بالإضافة إلى جميع النساء اللواتي لهن أحلام ويطمحن إلى تثقيف أنفسهن أكثر. بشكل خاصّ، كانت المجالات المخصّصة للنقاشات الفرضية مفيدةً جداً. لا أدري إن كنتم تدركون حجم المساعدة التي وفّرتها شبكة iKNOW Politics إلى النساء السياسيات. بالتالي، لا بد من توسيع الشبكات لتبلغ المزيد من النساء لأنّ عدد من ينفذن إليها لا يزال ضئيلاً.

iKNOW Politics: ما هو برنامجك لمتابعة العمل القيّم الذي حقّقته إلى اليوم؟

 

غلوريا يونغ: أنوي إدخال التغييرات على مجلس إدارة جمعية النساء البرلمانيات والبرلمانيات السابقات وقد أصبح هذا الأمر ضرورياً إثر انتخابات العام 2009 حيث تراجع عدد نوابنا في الجمعية الوطنية. أفكّر في إناطة رئاسة الجمعية بإحدى المرأتين اللتين أعيد انتخابهما. ستقف المرأة التي حازت على أكبر عدد من الأصوات في الصدارة وتدعمها نائبات بارزات، حاليات وسابقات. أما أنا فسأكون مستشارة لهذا المجلس.

إنّ هدفي الأساسي هو أن أصبح المديرة الوطنية الأولى للمعهد الوطني للنساء الذي أبصر النور بموجب قانون في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2008. تختلف هيكلية المعهد كلّياً عن المعاهد الوطنية الأخرى. فالجهاز التنفيذي ليس وحده مسؤولاً عن تعيين المدير بل عليه أن يختار من قائمة انتقائية ناتجة عن منافسة مفتوحة وواسعة وديمقراطية بين نساء يتمتّعن بمؤهّلات معيّنة، لاسيما الخبرة في مجال الارتقاء بشؤون المرأة والمساواة بين الجنسين وقدرات مهنية أكيدة. تشكّل الخبرة في التعاطي مع الحركات الاجتماعية والسياسية في البلاد ميزةً إضافية. يتم اختيار القائمة الانتقائية بواسطة آلية استحدثت في العام 1994، أي المجلس الوطني للنساء وهو هيئة محايدة تضمّ أطرافاً حكومية ومنظّمات من المجتمع المدني برئاسة وزير التنمية الاجتماعية. هنالك سبع منظّمات أهلية تقدّم المرشّحين حظيت بدعم خمسة منها. وأنا فخورة جداً بذلك.

 

 

Date of Interview
Region
رئيسة الجمعية البنمية للنساء البرلمانيات والبرلمانية السابقة والعضو في المجلس التشريعي لولايتين متتاليتين (1994-2004)

"ما من شيء يضاهي التدريب والبناء المستمرّ للقدرات، لاسيما في ما يخصّ النساء، إذا أردت تعزيز قيمتك السياسية. فالرجال أكثر استعداداً لمواجهة التحدّيات السياسية من دون تدريب في حين يصعب على النساء الإقدام على هذه الخطوة أو التحلّي بالشجاعة اللازمة. بالتالي، لا بد من تشجيعهن. ولا يكفي تكرار عبارة "كوني شجاعة، كوني شجاعة"، بل يجب تقديم الشروحات وتوفير الأسباب."

 

المتن:

 

iKNOW Politics: كيف انطلقت سيرتك السياسية؟ ما الذي دفعك إلى المشاركة السياسية؟ وما هي العقبات التي واجهتيها كامرأة؟

 

غلوريا يونغ: انطلقت سيرتي السياسية في المكسيك حيث كنت طالبة في الجامعة الوطنية المستقلّة. في السبعينات، كان هذا الأمر محتماً. إذا كنت تدرس العلوم السياسية والسياسات العامّة، تميل بالطبع إلى التحالف مع اليسار. بالتالي، جاءت تجربتي الحزبية الأولى مع المجموعات المرتبطة بالأممية الرابعة في المكسيك. بعد ذلك، عدتُ إلى بنما حيث كانت حركة سياسية جامحة ومثيرة للاهتمام تتحضّر على يد مجموعة من المقرّبين من روبن بليدس، مطرب السلسا الوطني. لخّصت المجموعة، في اسم الحركة، جوهر ما كنا نطمح إليه: بابا إيغورو (1991) ما يعني، في إحدى اللغات المحلية، أمّنا الأرض. وهكذا وضعنا الاهتمامات البيئية في أعلى القائمة.   

 شكّلنا في إطار حركة "بابا إيغورو" أمانة وطنية للنساء تحوّلت في نهاية المطاف إلى حزب داخل الحزب. كنا منظّمين بشكل جيّد وكنا نتحلّى بطاقة كبيرة لأنّ الحركة كانت تضم أكثر الناشطات النسائيات شهرةً وقتئذ. التحقت بالحركة لأنّني لم أكن أؤمن بالسياسة التقليدية. قال لي "روبن بليدس": "افعلي في الحزب ما تفعلينه في المنزل." استرعت هذه الجملة اهتمامي وتساءلت: "ما الذي أفعله في المنزل؟". فأجبت: "كل ما هو ضروري للارتقاء بالنضال في سبيل المساواة." وعليه، أسّسنا الأمانة الوطنية للنساء التابعة لحركة أمّنا الأرض.

مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية، أدركت أنّني لم أفكّر يوماً في الترشّح. فكنت أرغب في العمل مباشرةً مع النساء عند المستوى الوطني وتعزيز الأمانة الوطنية للنساء. إلا أنّ النساء الأخريات كنّ قد توصّلن إلى اتفاق فاجتمعن بي وقلن: "نريد أن تترشّحي للانتخابات البرلمانية." أجبتهن أنّني لا أؤمن بهذه الأمور، أي بالسياسية الانتخابية الرسمية. فكلّها أكاذيب، ناهيك عن أنّ المرء يحتاج إلى مال كثير لكي يتم انتخابه. في نهاية المطاف، أقنعنني بالقول إنّه لا بد أن تشارك إحدى نساء الحركة في هذه الانتخابات. فشاركنا فيها وفزنا في إحدى أهم الدوائر الانتخابية في البلاد (1994).

في بنما، ينتخب الشخص بطرق ثلاث: تصويت بالأكثرية، حسب المعدّل أو "ما تبقّى". في الانتخابات المذكورة، تم انتخاب 69 نائباً، فاز سبعة منهم حسب المعدّل. فدخلت البرلمان وفي جعبتي برنامج واضح جدّاً: قانون ضدّ العنف المنزلي، قانون حول تكافؤ الفرص، قانون ضدّ التحرّش الجنسي، بالإضافة إلى قانون حول إزالة وإلغاء الألفاظ التي تنمّ عن تحيّز جنساني في الكتب والنصوص المدرسية عند المستوى الوطني علاوةً على النصوص الواردة في برامج الهيئة التشريعية

اعتُبِر هذا البرنامج غايةً في الجرأة. على الرغم من ذلك، نجحنا في تمرير القانون رقم 4 حول تساوي الفرص بالنسبة إلى النساء في عام 1999. وسمح لنا هذا البرنامج بتوحيد جهودنا مع قطاعات عديدة تابعة للحركة النسائية. خلافاً لما قد يظنّه المرء على ضوء تجارب أخرى، لم تسبق الحركات في بنما البرلمان في هذا البرنامج. بل صدرت المبادرة عن العضوات في البرلمان، بما في ذلك نساء أخريات لا ينظرن بالضرورة إلى الأمور من منظور جنساني (نوعي). كما ازداد وعي الرجال في البرلمان لمسائل النوع الاجتماعي بحيث أصبحت الجلسات تبدأ بتحية خاصّة: "مساء الخير، أيّها البرلمانيات." في أحد الأيام، سنكتب عن هذه التجربة. تم انتخابي لولاية ثانية وأمضيت عشرة أعوام في البرلمان (1994- 2004).

أتذكّر بوضوح عندما فازت امرأة بجائزة روجيليو سينان وهو من المؤلّفين الرواد في البلاد: "ألسي ألفارادو دو ريكورد" شاعرة رائعة كانت وقت فوزها رئيسة أكاديمية اللغات في بنما. كانت هذه الجائزة، شأنها في ذلك شأن سائر الجوائز الفنّية، ثمرة نشاطنا في البرلمان، إذ أطلقنا ديناميكية مختلفة بالكامل داخل الهيئة التشريعية. فللمرّة الأولى، أصدر البرلمان في بنما مجلّة بعنوان "Ventanas del Parlamento" )نوافذ البرلمان) بدعوة من لجنة شؤون المرأة. ناقشت المجلّة التقدّم الذي أحرزته الحركة النسائية في البلاد، بالإضافة إلى جوانب مختلفة من الحركة الأكاديمية، ومقالات، وغيرها.

 ضمن اللجنة، أرسينا عادةً – تم التخلّي عنها لسوء الحظّ – تقضي بمناقشة كافة المبادرات مع مختلف الهيئات النسائية في البلاد. كانت هذه ديناميكية غير مسبوقة لأنّه وإن كانت اللجان البرلمانية الدائمة ملزمة بمناقشة مشاريع القوانين مع القطاعات المعنية، إلا أنّ غالبية النقاشات كانت تدور ضمن أبواب مغلقة. حدّدت لجنة شؤون المرأة المسائل الواجب القيام بها. كما حرصنا على أن تطال المشاركة البرلمان نفسه وسُمعت أصوات النساء عند المستوى الوطني نظراً لبثّ الجلسات على قنوات التلفزيون والراديو. وكان للراديو وقع خاصّ. فمتى كنت تستقلّ سيارة أجرة، كنت تجد نفسك تتحدّث إلى السائق عن أولئك النساء اللواتي يتحدّثن عن كذا وكذا لأنّ الجميع سمعنا على الراديو. وعندما كنت أتجول في شوارع المدينة، كانوا يستوقفونني ويقولون: "أيّها النائب، سمعت أنّهم عيّنوا السيدة فلانة إلى البرلمان وكم كان حديثها مثيراً للاهتمام!"          

 

  

iKNOW Politics: ما هي العقبات التي واجهتيها في معرض سيرتك السياسية، لاسيما في علاقتك بزملائك الرجال؟ 

 

غلوريا يونغ: لا شكّ أنّني اصطدمت بعقبات كثيرة، بدءاً بالحياة داخل الحزب. فالانتماء إلى حزب هو صراع مستمرّ لنُسمع صوتنا كنساء في وسط يهيمن عليه الرجال. ترأسّت الحزب نساء كثيرات كانت أولهن "بارتا طوريخوس دي أروسيمينا" الرئيسة الفخرية للحزب الثوري الديمقراطي الذي تأسّس على يد شقيقها الجنرال "عمر طوريخوس". أخذت الأمور على محمل الجدّ وبدأت تدخل تغييرات أساسية في الحزب إلى أن تم تغييرها هي. أما الرئيسة الثانية التي انتخبت بالتصويت فكانت "ميرييا موسكوزو" من حزب أرنولفستا وقد انتخبت لاحقاً رئيسةً للبلاد. أنا أيضاً ترأسّت حزب "بابا إيغورو" حيث تم اختياري عوضاً من "روبن بليدس". كرئيسة، تعيّن علي التعاطي مع إعادة بناء وتوسيع الحزب عند المستوى الوطني بمواجهة الجميع ومن دون مساعدة من مؤسّس الحزب. ففهمت ما يعنيه أن تكوني رئيسة في حزب يسوده نظام أبوي رغم أنّ أمانة النساء كانت تتمتّع بنفوذ أكثر من أي وقت مضى. ولكنّنا نجحنا في إشراك ممثّل عن الشعوب الأصلية في مجلس الإدارة وذلك في بلد يضمّ خمس محافظات للشعوب الأصلية لكل واحدة أراضيها وحكومتها الخاصّة.             

 في الختام، أطلق "روبن بليدس" حركةً لطردي من الحزب والسيطرة على مقعدي. لم ينجح في الحصول على مقعدي ولكن تم إقصائي من الحزب وأنا فخورة بذلك!

 

 

 iKNOW Politics: هلاّ حدّثتنا عن تجربتك في مجال تدريب النساء وبناء قدراتهن؟ ما هي الدروس التي استخلصتها وما هي الصعوبات التي واجهتك؟     

 

 غلوريا يونغ: ما من شيء يضاهي التدريب والبناء المستمرّ للقدرات، لاسيما فيما يخصّ النساء، إذا أردت تعزيز قيمتك السياسية. فالرجال أكثر استعداداً لمواجهة التحدّيات السياسية من دون تدريب في حين يصعب على النساء الإقدام على هذه الخطوة أو التحلّي بالشجاعة اللازمة. بالتالي، لا بد من تشجيعهن. ولا يكفي تكرار عبارة "كوني شجاعة، كوني شجاعة"، بل يجب تقديم الشروحات وتوفير الأسباب. كما ينبغي اكتساب الأدوات ومعرفة كيفية استعمالها حتى وإن باءت محاولاتنا المتكرّرة بالفشل. كانت تضمّ أمانة "بابا إيغورو" لشؤون المرأة وحدةً خاصّة للتدريب – ولا يسعك تخيّل كمّية الأشياء التي كنا ننجزها ضمن هذه الوحدة. في مرحلة لاحقة، وبمؤازرة حزب ميريا موسكوزو – وهو أقدم وأكثر تقليديةً – تمكّنا من تعبئة الدعم في سبيل تدريب النساء وتشكيل أمانة وطنية لهن.

ولكن لم يكن ذلك كافياً. بالتالي، شكّلنا تحالفاً استراتيجياً بين النساء من الأحزاب السياسية المختلفة عُرِف بـ"منتدى النساء في الأحزاب السياسية" ما أدّى إلى خلق روح من اللحمة بين النساء السياسيات بغضّ النظر عن انتمائهن الإيديولوجي أو الحزبي. كما قمنا بتعديل قانون الانتخابات بحيث تم تخصيص 10% من الدعم الانتخابي الذي تستفيد منه الأحزاب والبالغة نسبته 30% حصراً لأغراض تدريب النساء.   

 

 

iKNOW Politics: في بنما وبالإضافة إلى المنتدى، هنالك جمعية النساء البرلمانيات والبرلمانيات السابقات. لقد كنتِ الأمينة التنفيذية للمجموعتين في أوقات مختلفة. ما هو سبب هذا التقدّم في بنما؟ وما يمكننا فعله لتشجيع مبادرات مماثلة في المنطقة؟ 

 

غلوريا يونغ: في الواقع، أنا من أسّستُ المجموعتين. وقد مضى 16 عاماً على تأسيس المنتدى وستة أعوام على تأسيس الجمعية. وهما يشكّلان فسحةً لنشاط السياسيات البنميات وقد سمحا بتعزيز ثقة المرأة بنفسها ووضعها السياسي داخل الأحزاب. للمنتدى شقّ تدريبي بلغ من المتانة بحيث حظِي بالاعتراف الدولي للمنظّمات التي تموّل برامج التدريب الموجّهة إلى المرشّحات. فنقلنا هذه التجربة إلى بلدان أخرى في أميركا الوسطى والكاريبي حيث ذهبت خمس نساء من أحزاب مختلفة إلى بلدان أخرى ما ساهم في تحفيز النساء في السلفادور وهندوراس وغواتيمالا وجمهورية الدومينيك

أما الجمعية فهي تجربة بدأت في السلفادور بمبادرة من زميلة عظيمة أتماثل معها كثيراً هي غلوريا سالغيرو. كانت غلوريا سالغيرو وزيرة من دون حقيبة في حكومة إلياس أنطونيو ساكا (2004-2009) وكانت قبل ذلك أول امرأة تترأس البرلمان. لا شكّ أنّها حقّقت نجاحات واسعة في البرلمان. بخلاف المنتدى، تتوجّه الجمعية إلى النساء اللواتي انتخبن إلى البرلمان ويشكّلن بالتالي مثالاً يحتذى من أجل الفوز بالانتخابات في بلد ما. ترمي الجمعية إلى تدريب النساء الراغبات في المشاركة في الانتخابات، سواء كانت وطنية أم محلية. لقد وضعنا منهجية ذات مكوّن أكاديمي بسيط مع التركيز على إدارة الأدوات الأساسية. وساعدنا الكثير من النساء على تجاوز خجلهن وإيجاد الموارد والتحلّي بالشجاعة الكافية لمواجهة الرجال ضمن أحزابهن. بدأت أولئك النساء يفزن في الانتخابات ما يبرّر أهمّية الدعم الصادر عن النساء اللواتي سبق أن شاركن في الانتخابات أو تقلدن منصباً سياسياً. فالمقصود من ذلك حثّهن على مشاطرة تجربتهم مع النساء اللواتي لا يزلن في أول الطريق وتعميم الرأسمال السياسي المتراكم على من يحتاج إليه حاضراً

 

 

iKNOW Politics: ما كان دور الشبكات في سيرتك السياسة؟ ما هي المنافع المتأتّية عنها؟ 

 

غلوريا يونغ: أنا أؤمن كثيراً بالتشبيك. يتعلّق أحد عناصر حلقاتنا التدريبية بكيفية امتلاك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إذ على النساء، بما فيهن أولئك القاطنات في المناطق الريفية النائية، تعلّم كيفية استعمال وإدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل الإعلان عن اقتراحاتهن

كانت شبكة iKNOW Politics أداةً أساسية بالنسبة إلى النساء في جمعية النساء البرلمانيات والبرلمانيات السابقات وفي المنتدى بالإضافة إلى جميع النساء اللواتي لهن أحلام ويطمحن إلى تثقيف أنفسهن أكثر. بشكل خاصّ، كانت المجالات المخصّصة للنقاشات الفرضية مفيدةً جداً. لا أدري إن كنتم تدركون حجم المساعدة التي وفّرتها شبكة iKNOW Politics إلى النساء السياسيات. بالتالي، لا بد من توسيع الشبكات لتبلغ المزيد من النساء لأنّ عدد من ينفذن إليها لا يزال ضئيلاً.

iKNOW Politics: ما هو برنامجك لمتابعة العمل القيّم الذي حقّقته إلى اليوم؟

 

غلوريا يونغ: أنوي إدخال التغييرات على مجلس إدارة جمعية النساء البرلمانيات والبرلمانيات السابقات وقد أصبح هذا الأمر ضرورياً إثر انتخابات العام 2009 حيث تراجع عدد نوابنا في الجمعية الوطنية. أفكّر في إناطة رئاسة الجمعية بإحدى المرأتين اللتين أعيد انتخابهما. ستقف المرأة التي حازت على أكبر عدد من الأصوات في الصدارة وتدعمها نائبات بارزات، حاليات وسابقات. أما أنا فسأكون مستشارة لهذا المجلس.

إنّ هدفي الأساسي هو أن أصبح المديرة الوطنية الأولى للمعهد الوطني للنساء الذي أبصر النور بموجب قانون في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2008. تختلف هيكلية المعهد كلّياً عن المعاهد الوطنية الأخرى. فالجهاز التنفيذي ليس وحده مسؤولاً عن تعيين المدير بل عليه أن يختار من قائمة انتقائية ناتجة عن منافسة مفتوحة وواسعة وديمقراطية بين نساء يتمتّعن بمؤهّلات معيّنة، لاسيما الخبرة في مجال الارتقاء بشؤون المرأة والمساواة بين الجنسين وقدرات مهنية أكيدة. تشكّل الخبرة في التعاطي مع الحركات الاجتماعية والسياسية في البلاد ميزةً إضافية. يتم اختيار القائمة الانتقائية بواسطة آلية استحدثت في العام 1994، أي المجلس الوطني للنساء وهو هيئة محايدة تضمّ أطرافاً حكومية ومنظّمات من المجتمع المدني برئاسة وزير التنمية الاجتماعية. هنالك سبع منظّمات أهلية تقدّم المرشّحين حظيت بدعم خمسة منها. وأنا فخورة جداً بذلك.

 

 

Date of Interview
Region
رئيسة الجمعية البنمية للنساء البرلمانيات والبرلمانية السابقة والعضو في المجلس التشريعي لولايتين متتاليتين (1994-2004)